أجر و جمال ... كان هذا شعارنا الذي استقيناه من شعائر ديننا التي تفيض بالجمال على قلوبنا و قلوبكم
تأملوا معي لفتات الجمال ...
قال تعالى : (وَٱلأَنعَٰامَ خَلَقَهَا لَكُم فِيهَا دِفء وَمَنَٰفِعُ وَمِنهَا تَأكُلُونَ (5) وَلَكُم فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسرَحُونَ (6) النحل
قال تعالى : ( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * الحج
جمال يبهج الناظرين و يمتع النظر ..
فإن الله تعالى جعل الدين جميلاً
و جعل التدين جميلاً
( إن الله جميل يحب الجمال )
فانه ينبغي للمسلم أن ينشر جمال دينه بين خلقه
فإن المسلم الحق ينعكس عليه جمال الدين الحق .. فنجده صافي الروح .. متقلب بين منازل العبودية .. الإيمان - و الإحسان - و الإخبات ..
صافي السلوك حيث يتزين بالأخلاق الجميلة فالمؤمن اخو المؤمن ، لا يخذله ، و لا يظلمه . قال صلى الله عليه و سلم : (لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ) رواه مسلم.
وجعل نبيه جميلاً
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
وجمل عباده المؤمنين بأنواره التي تنير قلوبهم و دروبهم
أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام
و جعلنا من بين ايديهم نورا و من خلفهم نورا
إن محبة الله تفيض نوراً في قلوب عباده
ان جمال الآذان الذي يعلوا من المآذن يسلك بالرجال و النساء مسالك الحشمة الرقيقة و الوقار العالي الى المساجد و الى الغرفات و الشرفات
حتى انك تجد من يسمعه من الكفار لأول مرة تدمع عينه و تنتابه هيبة و جلال من جمال ما يسمع.
إن الله جميل يحب الجمال و يحب معالي الأخلاق و يكره سفسافها . فالدين هو سير الى الله في مواكب الجمال.
( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الاعراف 31
جمال الأخوة الايمانية
عن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))؛ رواه البخاري ومسلم
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه معلقا مجزوما به عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ".
روى البخاري-رحمه الله تعالى- عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.
جمال الوضوء
مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِن جَسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِن تَحْتِ أَظْفَارِهِ رواه مسلم.
فماذا يبطيء بك عن هذا الجمال
جمال الرفق
يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ.رواه مسلم
جمال المودة والرحمة
التي خلقها فتنشأ الأسرة في ظلالها
قال تعالى : (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21
جمال مخلوقاته
التي سخرها لنا كالجبال و البحار و النجوم و الشجر
قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يونس 5
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ* وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ )الحجر 16
إن اشباع الحاجات الجمالية لدى الانسان تجدها في العبادات و التعبد لله الواحد.
التأمل و التدبر لمظاهر الجمال و الحكمة في مخلوقاته تدبر جمال شرائعه.
إن اقصى مايفعله متذوقا الجمال الفنانين بريشتهم هو أن يرسموا مظاهر الجمال في مخلوقات الله إلى أوراق صماء بكماء فيحيووها جمالاً بألوانهم.
فكيف بمن أبدع هذا الأصل و هذا الوجود و أفاض عليه الجمال الحسي و المعنوي ، إذ أن تأمل جمال خلق الله و تدبره ينقلك الى صفات روحي و انتعاش قلبي .
العبادة في الإسلام سلوك جمالي محض بما تبعثه في النفس من أنس بالله و شعور بفيض إيماني ينير القلب و يزكيه، فالسير إلى الله عبر الترتيل و الذكر و التدبر و التفكر و الصلاة و الصيام .. إنما هو سير إلى الله في ضوء الجمال ، جمال اسمائه الحسنى و صفاته العلى ، بما هو رحمنٌ رحيمٌ ملكٌ قدوسٌ سلام .
الدين هو منبع الجمال
فإن للإسلام لمسة تربوية ذات أثرٍ روحيٍ عميق على الوجدان و السلوك ، و إن المسلمين عندما يتلقونها بعباراتها القرآنية الجليلة يتفاعلون معها تفاعلاً عجيباً إذ يتحولون بسرعة و عمقٍ كبير من بشر عاديين مرتبطين بعلائق التراب إلى خلائق سماوية لا ترى الا الله ، فتفيض رؤيتهم له إلى احسان عبادتهم له جميعاً و إحسان سلوكهم و نعامله مع خلقه.
إن السر الذي تتضمنه عقيدة أن لا اله الا الله والذي غيرت به مجرى التاريخ مرات و مرات يكمن في جمالها .
كم هو جميل أن يكون المرء مسلماً ، لا اله الا الله اذا قالها العبد مستشعراً دلالتها اللطيفة تذوق صفات الكمال و الجلال الرباني فكان منه الخضوع الوجداني التام لله .
فإن أصل كلمة إله هي من آله ( آله الفصيل ياله آلهاً ) ، إذا ناح شوقاً إلى امه .. و الفصيل هو ابن الناقة إذا فُطم، كذلك المؤمن ياله شوقاً و حباً الى الله ربه و مولاه .
يقول ابن القيم : ( إن محبة العبد لربه فوق كل محبة تقدر ، فلو بطلت مسألة المحبة ، لبطلت جميع مقامات الإيمان و الإحسان. ) .
اسمع لما قالته الملائكة لربها : (عن ا بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثهم أن عبدا من عباد الله قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك ، فَعَضَّلَتْ بالملكين ، فلم يَدْرِيا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء وقالا : يا ربنا ، إن عبدك قد قال مقالة لا نَدري كيف نكتبها . قال الله عز وجل - وهو أعْلَم بِمَا قال عَبْده - : ماذا قال عبدي ؟ قالا : يا رب ، إنه قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، فقال الله عز وجل لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجْزِيه بها .
وما في الصحيح أصَحّ ، فقد روى البخاري رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ :
كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : مَنْ الْمُتَكَلِّمُ ؟ قَالَ : أَنَا . قَالَ : رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ.
إنه جمال العبودية و جمال الجزاء .. جمال الرب و جلاله أفاض على عبده وفتح له من مفاتيح الحمد ..
فلا تسل عن جمال الجزاء.
إن هيبة الجمال و الجلال في ذات الله العظيم فاضت في قلب عبده المؤمن فله لسانه حمداً و ثناءً فألهم هذا الحمد .
ذكر الله هو مقام الأدب مع الله
فالعبد الحقيقي هو الذي لا يفتأ يذكر سيده فلا ينساه ، لا يفتأ واقفاً ببابه ، متحلياً بآداب العبودية .
إذا فاضت على قلبك أنوار الجمال و الجلال رأيت قدمك تصطف في محرابك تناجي هذا الذي امتلأ قلبك حباً لجلاله و جماله.
جمال الستر
إن للستر جمال القرب و الناجي الودود مع الرب الكريم (إنَّ اللهَ تعالى يُدنِي المؤمنَ،فَيضَعُ عليهِ كَنفَه وسِتْرَه من النَّاسِ،ويُقرِّرُه بذُنوبِه فيقولُ : أَتعرِفُ ذَنبَ كَذا ؟ أَتعرِفُ ذَنبَ كَذا فيقولُ : نعَم أَيْ رَبِّ،حتَّى إذا قَرَّرَهُ بذُنوبِه ورَأى في نَفسِه أَنَّه قد هَلكَ،قال : فإنِّي قد سَترتُهَا عليكَ في الدُّنيا،وأنا أَغفِرُهَا لكَ اليومَ،ثم يُعطَي كتابَ حسناتِه بِيمينِه . وأمَّا الكافرُ والمنافقُ فيقولُ الأشهادُ : هؤلاءِ الَّذينَ كذبوا علَى ربِّهم أَلا لَعنةُ اللهِ علَى الظَّالمينَ) البخاري و مسلم.
جمال الصلاة
انظر كم في هذا الحديث من لطف و جمال :يقولُ اللهُ عز وجل قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين نصفُها لي ، ونصفُها لعبدي ، ولعبدي ما سأل فإذا قال : { الحمدُ للهِ ربِّ العالمين } قال : حمدني عبدي ؛ فإذا قال : { الرحمنِ الرحيمِ } قال : أثنى عليَّ عبدي ، فإذا قال { مالكِ يومِ الدينِ } قال : مجدني عبدي ، فإذا قال : { إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعينُ } قال : هذه الآيةُ بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : { اهدِنا الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين } قال : فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل
رواه مسلم
في الصلاة جمال الدخول في موكب العابدين سيراً إلى الله
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) الحج 18
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا".(متفق عليه)
جمال التوبة
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر 53
عن أنس قال صلى الله عليه و سلم : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ ) رواه مسلم.
هذا فيض يسير من شلال الجمال المتدفق من كوثر شرائع الرحمن .
فريد الأنصاري من كتاب جماليات الدين بتصرف